من الطقس إلى الهاوية.. كيف يصنع الإنسان الشرور في مرايا الخوف ويواجه تحديات النفس؟
تبدأ متاهة الرعب في فيلم The Conjuring: Last Rites من لحظة التقاء الإنسان بما هو مجهول، حيث تتشابك مشاعر الخوف مع هشاشة النفس أمام قوى غير مرئية؛ ذلك الرعب الذي لا يولد فقط في الأماكن المظلمة، وإنما يتشكل أيضًا داخل الذات حين يواجه الإنسان غيبيات لا يُمكن تفسيرها بسهولة.
كيفية استكشاف الكلمة المفتاحية المتمثلة في “فهم الرعب في فيلم The Conjuring: Last Rites”
يتمحور فيلم “الشعوذة.. الطقوس الأخيرة” (الجزء التاسع والأخير من سلسلة The Conjuring) حول فهم الرعب الذي يتجاوز المظاهر السطحية المعتادة إلى أبعاد فلسفية ودينية عميقة، حيث يتنقل المشاهد بين طقوس كنسية ومواجهات مع الموت والشر؛ مما يجعل الفيلم حاضرًا في سياق سينما الرعب الغيبية التي تطرح تساؤلات حول علاقة الإنسان بالإيمان والشك، والحقيقة والأسطورة، وكذلك حدود العقل أمام الغيبيات.
يروي الفيلم قصة الزوجين إد ولورين وارين وهما يتحققان من طقوس جنائزية تتحول تدريجيًا إلى دائرة رعب متصاعدة، حيث تختلط المشاهد بين التحقيق البوليسي والتوثيقات التاريخية وحكايات شعبية تحكي عن أرواح عالقة بين الحياة والموت؛ في تلك الدائرة يتضح أن “الصلوات الأخيرة” لم تعد أمنية يرددها الناس، بل أصبحت بوابة لظهور الشر بأشكال غير متوقعة. ومن هذا المنطلق، يبرز مفهوم أن الرعب ليس مجرد مشاهد مخيفة، وإنما يحاكي الصراعات الداخلية للإنسان مع قوى لا يرصدها بالعين لكنه يشعر بها بعمق.
دور الطقوس والبعد الاجتماعي في صناعة الرعب ضمن فيلم The Conjuring: Last Rites
تركز الحكاية على العلاقة المتشابكة بين الطقوس الكنسية والميتافيزيقا، إذ يمثل الفيلم تساؤلًا جوهريًا عن مدى قدرة الطقوس على حماية الإنسان من الشر أو ربما فتح الأبواب لمظاهر أكثر غموضًا لخداعه. كما يعرض الفيلم من خلال سرد متقن كيف تُصنع مظاهر الشر داخل المجتمعات عبر تكرار الممارسات الجماعية التي تبث الخوف بدلًا من التخفيف من وطأة الموت والرحيل.
يتناول الفيلم أيضًا أبعادًا نفسية واجتماعية متعددة ترتبط بذكريات الأفراد وصدمة ماضيهم التي لا تُشفى، ويقدم انقسامات واضحة بين خطابات الإيمان وخطابات الشك العلمي، في ظل عجز اللغة البشرية عن تفسير حالات الحدوث الخارقة. يتحول الفيلم إلى ما يشبه وثيقة فلسفية تجسد هشاشة الإنسان المعاصر، وترصد كيف يتصارع الفرد مع الموت عبر مقاربات متنوعة ليست فقط رعبًا بصريًا، وإنما تساؤلًا وجوديًا.
البُعد الفني والرمزي في بناء الرعب داخل فيلم The Conjuring: Last Rites
تسير السردية في الفيلم بين الملموس والخيالي، حيث يتحرك المشهد السينمائي بأسلوب تحقيق جنائي يتقاطع مع لحظات كابوسية تعكس صراعات الشخصيات الداخلية؛ فتُستوطن الكاميرا في الظلال وتلتقط انعكاسات مظلمة ومتغيرة، بينما ينصب الضوء بين نقاء الكنيسة وظلمات الأقبية، موضوعًا جدلية تبرز التناقض بين الخير والشر.
يُستغل عنصر الغموض بصريًا بطرق مبتكرة عبر اقتراب الرؤية من الزوايا الضبابية والانعكاسات في المرايا والمياه؛ فتُجرى تجربة غياب العيون عن الرؤية التامة، مما يزيد من حدة الرعب إذ يصبح الغائب أكثر رعبًا من الحاضر الملموس. يتجلى ذلك في وصف إحدى الشخصيات، التي ترى الأشباح من زاوية عينها فتبدأ بالتشكيك في واقع ما يراه عقلها، لكنه يظهر أكثر واقعية منها.
يرتكز الفيلم أيضًا على فسح المجال لمساءلة ذاتية عميقة تتعلق بوجود الإنسان، وتلك الهشاشة التي تحاصره بين اليقين والشك، ينعكس ذلك في شخصية لورين وارين التي تعيش بين قدرتها على التواصل الروحي ورغبتها في حياة هادئة، ومواجهة إد الذي يتحمل عبء الحماية ضد قوى تتجاوز فهمه. تتجلى هذه الصراعات في مشاهد من منزل العائلة المسكونة حيث يُنظر للبيت كمرآة للروح الجماعية التي تواجه تمزقًا عميقًا.
| العنصر | الأثر أو الوظيفة في الفيلم |
|---|---|
| الضوء والظل | يرسمان صراع الخير والشر، ويصنعان أجواء تتأرجح بين الطهارة والغموض |
| الصوت | يُستخدم لتعزيز الرعب من خلال تكرار الصلوات وبينها صرخات حادة |
| الانعكاسات في المرايا والمياه | تمثل البوابة لرؤية الكيان الخفي وتعميق عنصر الغموض |
| الشخصيات | تعكس التوتر والداخل النفسي وحالة الصراع بين الإيمان والخوف |
يتناول الفيلم في ثناياه مفهوم الإيمان كقوة مقاومة وليس كدليل منطقي، حيث يمثل إد وارين نموذجًا للبطولة القائمة على التحدي بالصبر والمواجهة لا بالقوة الجسدية؛ إذ يؤمن أن الظلام لا ينتصر حين يُهزم، وإنما بفقدان الإرادة والصمود. نراه يتحدى شرًا مجهولًا ويقول: “الإيمان لا يحتاج إلى دليل، بل إلى قلب لا يخاف”، مؤكدًا أن المواجهة الداخلية ذات أهمية قصوى في خوض معترك الرعب.
يعود النزاع أيضًا إلى التداخل بين الأبعاد الثقافية والاجتماعية، حيث يعكس الفيلم التوتر بين الموروث الديني العميق والحياة المعاصرة التي تتداخل فيها التكنولوجيا والخرافة، كما يُبرز غياب الدعم الرسمي وبروز هشاشة الأسرة التي تتحول إلى ساحة صراع نفسي وغموض مستمر. يتجلى الحلم الأمريكي للاستقرار في مقاربة مجردة تتحول إلى كابوس عندما يصبح المنزل رمزًا للاضطراب النفسي والاقتصادي.
هكذا، يتجلى فيلم The Conjuring: Last Rites ليس كمجرد عمل رعب تقليدي، بل كنص معقد يستخدم الرعب للغوص في التأملات الوجودية حول مواجهة الإنسان للمجهول، وهشاشة الروح الجماعية في عالم مليء بالأسرار. إنه عمل يُعيد تعريف الرعب بوصفه تجربة تلامس صميم النفس، وتطرح أسئلة متجددة عن الحياة، الموت، والإيمان في مواجهة الشر الخفي.
