تباين أسواق العقار الأوروبية .. صعود الجنوب وتراجع الشمال يغيران المشهد الاقتصادي

يشهد السوق العقاري الأوروبي تباينًا واضحًا بين دول الجنوب والشمال، حيث برزت دول الجنوب بارتفاع قياسي في أسعار العقارات، فيما تواجه دول الشمال ركودًا وتراجعًا في مستويات الطلب. هذا التباين يعكس لاعبي السوق المختلِفين في السياسة الاقتصادية وحجم الاستثمارات الأجنبية، ما خلق خريطة عقارية جديدة في أوروبا برمتها.

أسباب تباين أسعار العقار في السوق العقاري الأوروبي بين الجنوب والشمال

تعود الاختلافات الحادة في أسعار العقارات إلى عوامل متعددة منها السياسات الاقتصادية ومعدلات الفائدة، التي تأثرت بها دول الشمال بشدة، ما أضعف الطلب العقاري ورفع تكاليف التمويل. بالمقابل، استفادت دول الجنوب، مثل البرتغال وإسبانيا، من استثمارات أجنبية مكثفة وبرامج إقامة محفزة جذبت المستثمرين، حيث قفزت أسعار العقارات في البرتغال 40% خلال خمس سنوات، بينما ارتفعت الأسعار في إسبانيا بنسبة 14% وفقًا لـ”يوروستات”. هذه العوامل تبرز كيف يتشكل السوق العقاري الأوروبي الحالي بفوارق جغرافية واقتصادية ملموسة.

الاتجاهات الراهنة وتأثير ارتفاع الفائدة على الطلب داخل السوق العقاري الأوروبي

في شمال أوروبا، وعلى وجه الخصوص في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، شهدت أسعار العقارات انخفاضًا يتراوح بين 1% و8% خلال السنوات الأخيرة نتيجة تراجع الطلب وارتفاع تكلفة التمويل بسبب زيادة معدلات الفائدة. أكد الخبير الفرنسي جان-مارك توروليون أن هذه الأسواق تعاني من ركود نسبي مستمر، ولا تزال تعاني في سبيل تحقيق استقرار حقيقي أو نمو إيجابي، خاصة مع استمرار تشدد السياسات النقدية التي تثقل كاهل المشترين المحليين.

تأثير الاستثمارات الأجنبية وبرامج الإقامة على سوق العقار الأوروبي في دول الجنوب

تُعد البرتغال وإسبانيا مقصدين رئيسيين للمستثمرين الأوروبيين والأجانب، ويرجع ذلك إلى أسعار عقارية منخفضة تاريخيًا وبرامج إقامات ذهبية جذابة واستراتيجيات تحفيزية ضريبية دفعَت الطلب إلى مستويات مرتفعة. وبرغم أن إيطاليا تتمتع بشعبية سياحية كبيرة، إلا أن ضعف النمو الاقتصادي وشيخوخة السكان قلّلا الطلب الداخلي وقللا من ارتفاع الأسعار، حيث تبقى مدينة روما واحدة من أرخص العواصم الأوروبية، إذ يعادل متوسط سعر المتر المربع فيها أقل من 4000 يورو. يشير هذا إلى أن قدرة السوق العقاري الأوروبي على استيعاب تقلبات الطلب والاستثمار تختلف بشكل كبير حسب الموقع والعوامل الاقتصادية المحيطة.

يبقى السوق العقاري الأوروبي في حالة انقسام واضح بين من يستفيد من إقبال هائل على العقارات عبر استثمارات خارجية، ومن يعاني الركود نتيجة ارتفاع معدلات الفائدة وانخفاض الطلب المحلي، مما يبشر بدورة جديدة من التحديات والتغييرات في خارطة الاستثمار العقاري داخل القارة.