فرنسا.. أزمة حادة تجتاح ميزانية الضمان الاجتماعي وتهدد حكومة لوكورنو بالسقوط

تُشكل ميزانية الضمان الاجتماعي في فرنسا تحديًا سياسيًا حادًا للحكومة الجديدة التي يرأسها سيباستيان لوكورنو، إذ أصبحت قضية تمويل الضمان الاجتماعي أكثر من مجرد ملف مالي، بل معركة تتعلق بمصير الاستقرار الحكومي، خاصة بعد أن أدت إلى سقوط حكومة ميشال بارنييه في ديسمبر 2024. 

تحديات مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي وتأثيرها على الحكومة الفرنسية

يرتكز مشروع قانون تمويل الضمان الاجتماعي على إجراءات تقشفية تهدف لخفض العجز المالي المتوقع إلى 23 مليار يورو في 2025، ثم إلى 17.5 مليار يورو في 2026، وفقًا لتقارير صحيفة لوموند الفرنسية، ما يضع الحكومة أمام ضغوط سياسية واقتصادية كبيرة. يعي لوكورنو حساسية الوضع داخل البرلمان، إذ يحتاج إلى امتناع الاشتراكيين عن التصويت لتمرير قسم الإيرادات، وهو شرط لتنشيط الحوار تجاه البنود الأكثر جدلًا، خاصة تعليق إصلاح نظام التقاعد، الذي يثير انقسامات حادة في الأغلبية والمعارضة على حد سواء.

المرونة السياسية المطلوبة لتمرير ميزانية الضمان الاجتماعي وسط انقسامات البرلمان

في جلسة الجمعية الوطنية الأخيرة، حاولت وزيرة الصحة ستيفاني ريست تهدئة الأجواء، معتبرة أن النص “قابل للتعديل” وأن رفض الحوار سيزيد الوضع سوءًا، في حين بدا البرلمان شبه خالٍ من النواب، ما يعكس التوتر السياسي المستمر. في نفس اليوم، دعا لوكورنو أعضاء كتلة حزب “النهضة” إلى الانفتاح وإظهار مرونة في التفاوض مع المعارضة، مؤكدًا الحاجة إلى تسويات صعبة للحفاظ على التوازن المالي، لكن تحركاته كشفت عن انقسامات عميقة داخل صفوف الأغلبية تجاه الاستراتيجيات المتبعة في مواجهة أزمة الميزانية.

البنود المثيرة للجدل وتأثيرها على استقرار ميزانية الضمان الاجتماعي في فرنسا

يُطالب الحزب الاشتراكي بإعادة صياغة أجزاء كبيرة من مشروع الميزانية، خصوصًا البنود التي تؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين، مثل مضاعفة الخصم الطبي على الأدوية أو تجميد المعاشات، وهي نقاط اعتبرها وزير العمل جان بيار فاراندو “عدوانية” وقد تزيد من الأعباء على الأسر. لمواجهة الغضب المتوقع، أعلن لوكورنو دعمًا استثنائيًا للمستشفيات بقيمة مليار يورو، رغم أن الزيادة في الموازنة الصحية لم تتجاوز 1.6% لعام 2026، ووصفتها النقابات بـ”ميزانية تقشفية”، ما أدى إلى إسقاط المادة المتعلقة بها في اللجنة البرلمانية. كما أثار قرار الحكومة بإلغاء تجميد المعاشات والحد الأدنى الاجتماعي، الذي كان من المتوقع توفير 2.5 مليار يورو، رفضًا واسعًا من مختلف الكتل البرلمانية.

الأكثر إثارة للجدل هو مضاعفة الخصم الطبي على الأدوية والزيارات الصحية، التي من المتوقع أن توفر 2.3 مليار يورو، حيث وصفتها المعارضة بـ”ضريبة المرض”، معتبرة أنها تضرب الفقراء رغم الإعفاء الذي حصل عليه 18 مليون شخص. كذلك، تواجه الضريبة الجديدة على شركات التأمين الصحي موجة من الرفض الشعبي، نتيجة تخوفات رفع أقساط التأمين رغم الهدف المعلن بتوفير 1.1 مليار يورو لخدمة الضمان الصحي. 

مع تقديم أكثر من 2300 تعديل، تم تقليص وقت كلمة النواب إلى دقيقة واحدة، تفاديًا لتكرار تكرار فوضى مناقشات ميزانية 2026، بينما تسعى الحكومة إلى الانتهاء من التصويت النهائي على مشروع القانون بحلول 12 نوفمبر، وهو آخر موعد دستوري قبل إحالته إلى مجلس الشيوخ. يواجه لوكورنو اختبارًا وجوديًا حقيقيًا مع برلمان منقسم وشعب غاضب من إجراءات التقشف؛ تجربة تعيد للأذهان مصير سلفه الذي سقط بسبب نفس الملف قبل عام واحد.

صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.