رواتب متدنية .. المتقاعدين في تركيا يضطرون للعودة إلى سوق العمل بحثًا عن دخل مستقر

تعتبر مشكلة انخفاض رواتب التقاعد في تركيا من أبرز التحديات التي تؤثر على حياة ملايين المتقاعدين، حيث يدفع هذا الانخفاض الكثير منهم إلى العمل مجددًا أو البحث عن فرص عمل بديلة لتحسين دخلهم الشهري، خاصة مع التغيرات الاقتصادية الأخيرة. تركيا، بثلاثة عشر مليون متقاعد وأصحاب حقوق، تحتل المركز الثالث في أوروبا من حيث عدد هذه الفئة، مما يبرز أهمية دراسة وضع رواتب التقاعد وتأثيرها على المجتمع.

تحليل وضع رواتب التقاعد في تركيا وأثره على المتقاعدين

أظهرت الدراسات الحديثة لمركز الأبحاث تابع لاتحاد نقابات العمال الثوريين أن متوسط راتب المتقاعدين في تركيا شهد تراجعًا ملحوظًا مقارنة بالحد الأدنى للأجور؛ ففي عام 2003 كان متوسط راتب المتقاعد يزيد بنسبة 36% عن الحد الأدنى للأجور، بينما انخفض اليوم ليصبح أقل بنسبة 22% من الحد الأدنى، ما يوضح تدهور القوة الشرائية لهذه الفئة الحساسة في المجتمع. ويشير التقرير إلى أن رواتب المتقاعدين تميل نحو القاع مع انخفاض نصيبهم الاقتصادي، ما يدفع الكثير منهم للعمل مجددًا لتعويض هذا الفرق.

دراسة مقارنة لأعداد المتقاعدين ورواتبهم بين تركيا ودول أوروبا

اعتمدت الدراسة التي نشرها مركز اتحاد نقابات العمال الثوريين على بيانات يوروستات للمقارنة بين تركيا والدول الأوروبية، وكشفت أن تركيا بالرغم من ارتفاع نسبة المتقاعدين من السكان، إلا أن نصيبهم من الموارد والإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية ضعيف مقارنة بالدول الأوروبية. فمتوسط نسبة مدفوعات التقاعد في تركيا تبلغ 3.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 9.8% في الاتحاد الأوروبي، كما أن نسبة التحويلات إلى مؤسسة الضمان الاجتماعي تتراجع، ما يؤكد ضعف الدعم المقدم لهذه الفئة، وبالتالي احتياج المتقاعدين إلى عوائد أخرى كالعمل.

نسبة المتقاعدين العاملين وأثر انخفاض رواتب التقاعد على سوق العمل في تركيا

يبرز التقرير أن الادعاءات حول انخفاض نسبة النشطين إلى المتقاعدين في تركيا غير دقيقة؛ فبإضافة العاملين ضمن أقساط دعم الضمان الاجتماعي، ترتفع النسبة إلى 1.75، أعلى من المتوسط الأوروبي الذي يبلغ 1.5، مما يعكس حاجتهم للعمل أكثر من مجرد الرغبة العملية. كما أن نسبة المتقاعدين العاملين أو الباحثين عن عمل ارتفعت من 36.6% في 2002 إلى 65.7% في ديسمبر 2024، وهو دليل واضح على تأثير انخفاض رواتب التقاعد في دفع المتقاعدين إلى سوق العمل مجددًا لتعزيز دخلهم وتحسين معيشتهم.

توضح الأرقام التزايد الملحوظ في أعداد المتقاعدين وأصحاب الحقوق، ما يزيد الضغط على النظام الاجتماعي والاقتصادي؛ هذا الارتفاع يعود جزئيًا إلى تنظيم التقاعد المبكر (EYT) الذي أدى إلى ارتفاع أعداد المتقاعدين خلال العام الأخير، مما يؤكد استمرار هذا الاتجاه التصاعدي في المستقبل القريب.

يشير التقرير بوضوح إلى أن التراجع في الدعم الحكومي ونسبة رواتب المتقاعدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، مقابل ارتفاع أعداد المتقاعدين، يولد ضغطًا مضاعفًا على المتقاعدين الذين يسعون للحصول على فرصة عمل لتحسين دخلهم، وإعادة المشاركة الفاعلة في سوق العمل. هذه الصورة المتشابكة بين انخفاض الرواتب والتغيرات الديموغرافية تعكس واقعًا حقيقيًا يحتاج إلى مراجعة السياسات الاجتماعية والاقتصادية لدعم هذه الشريحة الحيوية.