أزمة ثقة .. خبير اقتصادي فرنسي يكشف مخاطر دعوة ماكرون لاستفتاء حول التقاعد
تطرح الدعوة للاستفتاء حول إصلاح نظام التقاعد في فرنسا واقعًا جديدًا يعكس حالة عدم الثقة بين السلطة التنفيذية والشعب، حيث أصبح من الواضح أن الحلول التقليدية لم تعد مجدية بدون مشاركة المجتمع في صنع القرار والاجتماع حول مستقبل هذا النظام الحيوي.
الاستفتاء على نظام التقاعد في فرنسا.. انعكاس لأزمة الثقة الاجتماعية والسياسية
أكد الخبير الاقتصادي ميكائيل زيمور أن إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عن احتمال إجراء استفتاء على إصلاح نظام التقاعد يشكل نقطة تحول سياسية كبرى، إذ يعكس المأزق الذي تواجهه السلطات في إعادة بناء الثقة مع الفرنسيين بعد موجة الاحتجاجات المستمرة منذ 2023، حيث لم تعد القرارات التنفيذية المفروضة من الأعلى تجد قبولًا دون مشاركة مجتمعية واسعة. وبحسب زيمور، فإن إدخال الاستفتاء في الحوار يعني إدراك الإليزيه أن الشرعية الاجتماعية أصبحت شرطًا لا غنى عنه لاستكمال أي تعديل في قوانين العمل والتقاعد، مؤكداً أن العملية الانتقالية نحو إصلاح نظام التقاعد تستوجب حوارًا اجتماعيًا شاملاً يشمل النقابات والسلطة التشريعية على حد سواء.
ماكرون والاستفتاء على إصلاح نظام التقاعد بين التأجيل والانتظار
خلال تصريحات أدلى بها من ليوبليانا، شدد ماكرون على أن موضوع الاستفتاء في النظام التأميني ليس مستبعدًا لكنه لم يقرر بعد، إذ جاءت تصريحاته بعد إعلان رئيس الحكومة سباستيان لوكورنو تأجيل رفع سن التقاعد من 63 إلى 64 عامًا حتى يناير 2028 بدلاً من 2027، مشيراً إلى أن تدابير تقشفية سترافق هذا التأجيل لضمان التمويل. ورغم إمكانية اللجوء للاستفتاء، فإن ماكرون شدد على ضرورة الاتفاق المسبق بين كل الأطراف المعنية وتحديد موضوع الاستفتاء بشكل دقيق قبل اتخاذ أي خطوة؛ مما يظهر توجهاً نحو تعزيز العملية الديمقراطية وتعميق الحوار لضمان تحقيق توافق يرضي مختلف الفئات.
- طرح معايير بيئية جديدة في قطاع الموضة الفرنسية.
- تحذيرات من تأثير إلغاء ضريبة الشركات على السياسة المالية الوطنية.
حوار هادئ ومسؤول ضرورة للحديث عن إصلاح نظام التقاعد في فرنسا
ركز ماكرون على أهمية فتح نقاش هادئ ومسؤول حول تحديات الشيخوخة السكانية والتمويل المستدام لصناديق التقاعد، بعيداً عن الضغوط السياسية أو الحسابات الانتخابية، داعياً إلى إعادة فتح قنوات الحوار بين العمال وأرباب العمل والنقابات لتحقيق استقرار سياسي وتقني يضمن استمرار الدولة وتحقيق التوازن المالي. واعتبر ماكرون أن هذه الأجواء البناءة ستمهد الطريق أمام تحديد المسارات المستقبلية المناسبة لإصلاح نظام التقاعد، مما يوحي بأهمية الحوار المجتمعي كأساس لأي تغيير حقيقي ومستدام.
جدل مستمر حول إصلاح التقاعد وأُسس أزمة النظام الاجتماعي في فرنسا
تعود جذور أزمة التقاعد في فرنسا لعام 2023، حينما قررت الحكومة رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 سنة عبر تفعيل المادة 49.3 الدستورية، دون التصويت البرلماني المباشر، مما أثار احتجاجات واسعة في شتى المدن الفرنسية وأعاد القضية إلى مركز الأزمات السياسية والاجتماعية في البلاد، بحسب تحليل ميكائيل زيمور. يعاني النظام من عجز متصاعد قد يصل إلى 15 مليار يورو بحلول 2030، ما دفع الحكومة إلى البحث عن إجراءات تمويلية كرفع سن التقاعد وتأجيل بعض الامتيازات، بينما ترفض النقابات أن يكون سن التقاعد هو الجذر الحقيقي للمشكلة وتربط الأزمة بتوزيع الثروة والعدالة الضريبية، معتبرة أن عبء الإصلاح يقع بشكل غير عادل على العمال والفئات المتعبة، في حين تستثنى الطبقات العليا نسبياً.
معركة موازنة 2026 والسياسة في ظل تحديات استدامة نظام التقاعد
يناقش البرلمان الفرنسي موازنة عام 2026 وسط جدل سياسي واسع، بعد رفض النواب إلغاء خطة الادخار التقاعدي التي يستفيد منها أكثر من 11 مليون فرنسي ويبلغ حجم أصولها 119 مليار يورو، وهي أداة تعتبر ضرورية لتأمين دخل إضافي بعد التقاعد، حسب وزارة الاقتصاد الفرنسية. احتدم النقاش بين أحزاب اليسار التي تصف النظام بأنه “رأسمالية مقنعة تصب في مصلحة الأغنياء”، والائتلاف الرئاسي الذي يشدد على أهمية هذه الخطط لما تمثله من دعم للطبقة الوسطى والعمال في تأمين مستقبلهم المالي.
| العنصر | عدد المستفيدين (مليون) | الإجمالي المقدّر (مليار يورو) |
|---|---|---|
| خطة الادخار التقاعدي | 11 | 119 |
| العجز المتوقع في نظام التقاعد | – | 15 (بحلول 2030) |
الاستفتاء كفرصة ومخاطر في مسار إصلاح نظام التقاعد الفرنسي
يشير ميكائيل زيمور إلى أن طرح خيار الاستفتاء حول إصلاح نظام التقاعد قد يستعيد جزءًا من الثقة المفقودة بين السلطات والمواطنين، لكنه يعجز عن حل الصراع العميق بين نموذج التضامن الاجتماعي التقليدي والتوجه النيوليبرالي الحكومي المتنامي، فهو يعبر عن رفض الفرنسيين للطريقة التي فرض بها التعديل لا لمحتواه. الاستفتاء ليس مجرد أداة سياسية فحسب؛ بل سيكون اختبارًا للديمقراطية التشاركية في الداخل الفرنسي، محفوفًا بتحديات ومخاطر بالنسبة لماكرون، الذي يسعى من خلاله لاستعادة زمام المبادرة رغم تعقيدات الواقع الاجتماعي.
تواجه فرنسا خيارات صعبة وحاسمة بين ضرورة تعديل نظام التقاعد لينسجم مع تحديات الشيخوخة والعجز المالي، أو مواجهة تفاقم الانقسامات بين الدولة وسكانها، مع بقاء الاستفتاء في قلب المشهد السياسي كأداة محتملة للحسم أو تفاقم الأزمة القائمة.
