مصر تتحدى التضخم.. رحلة ناجحة من كورونا وحتى 2025 تتصدر المشهد الاقتصادي

بعد موجات تضخم متتالية، بدأ معدل التضخم في مصر يشهد تراجعًا تدريجيًا منذ بداية 2024، مع توقعات بأن يصل إلى معدلات أكثر استقرارًا بحلول نهاية 2025، في ظل تحولات اقتصادية ووضع عالمي معقد. إن فهم كيفية تجاوز مصر لتحدي التضخم خلال هذه الفترة يمثل محور اهتمام الباحثين في السياسات الاقتصادية والمستثمرين على حد سواء.

تطور التضخم في مصر من بداية جائحة كورونا إلى ذروته في 2023

مع اندلاع جائحة كورونا عام 2020، تأثر الاقتصاد المصري بشكل ملحوظ، مسجلًا اضطرابات في سلاسل الإمداد وارتفاعًا في تكاليف النقل والتجارة العالمية، ومع ذلك بقي معدل التضخم محدودًا نسبيًا نتيجة لانخفاض الطلب الداخلي وتراجع أسعار النفط، حيث سجل حوالي 5.7% في 2020 ثم ارتفع إلى 8.5% في 2021 مع بداية تعافي النشاط الاقتصادي. ويرجع الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة هذا المستوى إلى السياسات النقدية المحافظة للبنك المركزي، واستقرار سعر الصرف، فضلاً عن دعم الدولة للسلع الأساسية مما قلل من آثار الأزمات العالمية.

لكن عام 2022 شهد تحولًا حادًا في الأوضاع، فقد أثرت الحرب الروسية الأوكرانية بارتفاع أسعار القمح والطاقة عالميًا، ما دفع معدل التضخم إلى 21.9% بنهاية العام، بينما صعد إلى 33.9% في 2023، متأثرًا بتدهور قيمة الجنيه وظهور السوق السوداء للدولار الذي وصل إلى أكثر من 50 جنيهًا، وإدارة السيولة المفرطة التي رفعتها الحكومة عبر طباعة النقد بنسبة 27% خلال 2023. ويشير الخبير محمد محمود عبد الرحيم إلى أن هذه الأسباب كانت عوامل رئيسية في تصاعد موجات الارتفاع التضخمي رغم انخفاض أسعار الغذاء على المستوى العالمي تدريجيًا.

تأثير تحرير سعر الصرف والسياسات النقدية على تراجع التضخم في 2024

مع بداية 2024، شهدت المؤشرات الاقتصادية بداية تراجع التضخم إلى نحو 30.1% في الربع الأول ثم 26% بنهاية العام، نتيجة كبيرة لرفع البنك المركزي أسعار الفائدة فوق 20%، ما ساعد في تقليل الطلب المحلي وامتصاص السيولة، مع تحرير شامل لسعر الصرف الذي ارتفع إلى مستويات تقارب 50 جنيهًا للدولار. اعتبر الدكتور هاني جنينة أن هذه الخطوة حتمية لإعادة التوازن رغم التحديات العالمية مثل ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، وأوضح أن القطاعات الأبرز التي غذت التضخم كانت الغذاء والمشروبات، إلى جانب النقل والطاقة والإسكان.

رافق هذا التحرير سياسات حكومية لتوفير السلع الاستراتيجية وتعزيز الاستيراد العاجل، بالإضافة إلى تدفقات استثمارية خليجية عززت الاحتياطي النقدي وحققت استقرارًا نسبيًا في سوق الصرف، مما ساهم في تهدئة حدة الاضطرابات السعرية.

الفترة سعر صرف الدولار تقريبًا معدل التضخم العام
2020 – 2021 15.6 إلى 15.9 جنيه 5.7% – 8.5%
نهاية 2022 22.85 جنيه (تعويم أكتوبر 2022) 21.9%
2023 تجاوز 30 جنيهًا 33.9%
مارس – أبريل 2024 فوق 50 جنيهًا (تعويم كامل) 30.1% إلى 26%
منتصف 2025 47 إلى 48 جنيهًا حوالي 18%

التوقعات المستقبلية لمعدلات التضخم في مصر خلال العام المالي 2025-2026

تُظهر البيانات الحالية انخفاضًا ملموسًا في معدل التضخم ليصل إلى نحو 18% منتصف 2025، وهو مستوى غير مسبوق منذ 2021، مع توقعات من البنك الدولي وصندوق النقد بأن يتراوح التضخم بين 10.9% و11.2% بنهاية العام المالي 2025-2026، مستندين إلى الاستقرار النسبي للجنيه وتحسن الإمدادات السوقية. إلا أن الخبير مصطفى بدرة يحذر من اعتباره نهاية الأزمة، مشيرًا إلى أن هذا الانخفاض جزء من آثار السياسات النقدية الانكماشية وركود القوة الشرائية، مؤكّدًا على أهمية تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات البالغ نسبتها حوالي 70% من الاستهلاك.

يضيف هاني جنينة أن التراجع في التضخم يعكس أيضًا ضوابط الحكومة لسوق الصرف وسلاسل الإمداد، رغم المخاطر المحتملة إذا ما ارتفعت أسعار النفط أو تجددت التوترات الجيوسياسية. بين القطاعات التي ساعدت في زيادة معدلات التضخم كانت الغذاء والمشروبات، والطاقة والنقل، إلى جانب زيادة أسعار الإسكان والخدمات التعليمية والصحية، في ظل تذبذب أسعار الطاقة العالمية وسياسات رفع الدعم المتبعة.

من جانبها، صدرت تقارير لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي تؤكد تحسن الأوضاع الاقتصادية مع استمرار التضخم في التراجع تدريجيًا، كما توقعت وكالات التصنيف الائتماني وخبراء الاقتصاد المحليون أن تصل نسب التضخم إلى مستويات أحادية الرقم خلال العامين المقبلين إذا استمرت السياسات المرنة وزيادة الاستثمارات في القطاعات المنتجة.

  • رفع أسعار الفوائد والنقد المرن كانا من أهم أدوات التحكم بالتضخم
  • تعزيز الإنتاج المحلي من الصناعات والزراعة يحد من تأثير الضغوط السعرية الخارجية
  • تثبيت سعر الصرف ساهم في كبح موجات التضخم اللاسلكية
  • يبقى تحريك سعر الصرف العامل الحاسم في معادلة أسعار السلع والخدمات، إذ أثرت تقلباته المحددة بين الاستقرار والتعويم الكامل بشكل مباشر على تكلفة الواردات وأسعار الاستهلاك العام.

    تتجسد رحلة مصر مع التضخم في حدودها الصعبة بين أزمات عالمية متلاحقة، وقرارات اقتصادية حاسمة، ومساعي تعزيز الإنتاج المحلي والسياسات النقدية المرنة التي ساعدت على بداية تجاوز ذلك التحدي الكبير رغم التعقيدات المحيطة.

    صحفية متخصصة في القضايا الاجتماعية وشؤون المرأة، تكتب بزاوية إنسانية تعكس نبض المجتمع وتسلط الضوء على التحديات والنجاحات في الحياة اليومية.